ماذا قال الإنجليز عن حرب أكتوبر؟
رغم أن عدداً كبيرا من الكتب الإسرائيلية التى صدرت في أعقاب حرب أكتوبر 1973 قد اعترفت بالهزيمة الإسرائيلية. إلا أن كتابات أخرى صدرت في أنحاء كثيرة من العالم، منها كتاب بعنوان Model Land Combat ويعد أبرزها. فقد تضمن عرضا للقوة العسكرية لأطراف المعركة قبل أن تبدأ، ثم تحدث تفصيلا عن سير العمليات، ثم تضمن تقييما للأداء والنتائج التى أفرزتها هذه الحرب من الناحية العسكرية. كما تضمن تحليل الكابتن ( الفريد ميلر) و(كريستوفر فوس) بشهادة مؤداها أن خطط الجيوش العربية جاءت رائعة أما تنفيذها فقد كان أفضل من ذلك ورغم الاحتياطات التى اتخذتها المخابرات الإسرائيلية فإن الاستخبارات المصرية نجحت في تضليلها وخداعها. ومع أن الرئيس السادات أبلغ الروس بنيته في الهجوم والعبور، وقام الروس سرا بسحب رعاياهم من سوريا ومصر، إلا أن موعد خطة الهجوم كانت غير معروفة لأحد إلا لقائدي الدولتين.
وقد اتضح من نجاح المصريين في تحقيق الانتصارات على طول جبهة قناة السويس أن التدريب الجيد والتخطيط السليم والعزيمة القوية والروح المعنوية العالية من أهم أسباب تحقيق النصر.
وكان ذلك واضحا من الجهود العنيفة والروح القتالية التى بذلها رجال القوات المصرية في التدريب والمناورات والتجارب لإنشاء الكبارى وفتح الممرات واحتلال خط بارليف وهناك بطولات رائعة ومواقف مشرفة لكثير من الأبطال لم يكشف عنها حتى الآن. كما تلقن الإسرائيليون دروساً كثيرة ومريرة من الحرب في الجنوب، أحرزوها في الحرب السابقة، واستخفوا بالجنود المشاة وجنود الصاعقة المصرية ولكنهم دفعوا الثمن ووقعوا في كوارث خطيرة وخسروا الكثير أمام الجندي المصري.
وخرج الإسرائيليون بدروس مستفادة، منها عدم الثقة الكاملة في كل ما يأتيهم من رجال المخابرات الإسرائيلية فقد كانت المخابرات تبلغهم بشيء ويجدون شيئا آخر على الأرض.
كما قال نيل باتريك الخبير بمعهد دراسات الدفاع البريطاني عن الدروس المستفادة من حرب أكتوبر 1973 وما إذا كانت هذه الدروس مازالت صالحة للاستخدام بعد مرور ما يقرب من ثلاثين عاما عليها وما هو وزنها في الدراسات النظرية العسكرية من وجهة النظر الإسرائيلية. فقد تعلم هؤلاء أن معلومات مخابراتهم العسكرية ليست معصومة من الخطأ. وقد حاولت إسرائيل تحقيق شيء من التوازن وحققت اختراقا محدودا في الدفرسوار كما وصلت على الجبهة السورية إلى مسافة قريبة من دمشق، وحاولت أن تجادل حول أن نتائج هذه الحرب هي بالضبط الوضع القائم على الجبهة السورية، وهذا تفسير غير صحيح للموقف، وهم إذا كانوا يحتلون ومازالوا الأرض السورية إلا أن هناك تداعيات لا نهاية لهذه الحرب،
فقد عرفت إسرائيل كجزء من تداعيات هذه الحرب أن إسرائيل يجب أن تكون مستعدة لقبول مبادرات السلام التى ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت إسرائيل تتوقع قبول هذه المبادرات لأسباب في حقيقتها عسكرية يمثلها هذا النجاح المصرى المؤكد على جبهة القتال، إضافة إلى أنها وجدت أن الولايات المتحدة نفسها لم تكن قادرة على المساعدة الآلية لإسرائيل. كذلك لم تستخدم إسرائيل قدراتها النووية لأن كلا من مصر وسوريا حققتا نتائج مهمة في الحرب، لكنهما لم تصلا إلى تهديد وجود إسرائيل نفسها، فقد دارت الحرب في الأراضى العربية المحتلة. ولو وجدت هذا أو كاد أن يحدث، لكان هناك دور أكثر إيجابية وأكثر تكثيفا قد تم بواسطة الاتحاد السوفيتى والولايات المتحدة، وكان هذا الدور سيأخذ طابعا دبلوماسيا وليس طابعا عسكريا.
ولم تكن لدى الغرب أو الشرق نية للتدخل الفعال إلا في حالة تهديد حقيقي لمحور الولايات المتحدة -إسرائيل أو محور الاتحاد السوفيتى- مصر أثناء الحرب، وما يتصل بها من توازن قوى القتال بين أطرافها بما قد يخل بالوضع الأمنى للاتحاد السوفيتى أو الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاء كل منهما خلال حقبة الحرب الباردة. كما عرف المصريون والسوريون أنه من الهام جدا من الناحية السياسية والنفسية النظر إلى التأثير غير المحدود الذى أحدثه عبور القوات المصرية بالذات إلى سيناء.
وخلال تقديم مطول لوكالة رويتر للأنباء بمناسبة مرور ثلث قرن على حرب أكتوبر، ذكرت أنه فى ثانى أيام الحرب أبلغ موشي دايان وزير دفاع إسرائيل في ذلك الوقت حكومته بأن الحرب قد تقضى تماما على إسرائيل بعد أن دمر الهجوم المصري السوري خطوط الدفاع الإسرائيلية في سيناء والجولان.
وبعد 24 ساعة رصدت الاستخبارات الأمريكية إشارات من إسرائيل تم تحليلها فيما بعد على أنها حالة تأهب نووي. وأوضح مسئول إسرائيلى فيما بعد أن إسرائيل نشرت بالفعل صواريخ أريحا التى يمكنها حمل رؤوس نووية، واتخذت خطوات أخرى متصلة بالأسلحة النوويةإابان حرب أكتوبر.
ورغم أن إسرائيل لم تنذر الولايات المتحدة بأنها قد تلجأ للخيار النووى لإنهاء الحرب إلا أن هذه التحركات فهمتها واشنطن على أن إسرائيل جادة في ذلك ما لم تحصل على ما تحتاجه من أسلحة. إلا أن هذا التطور دفع الرئيس الأمريكى آنذاك) نيكسون( إلى الرضوخ لنصيحة مستشار الأمن القومى كيسنجر بإقامة جسر جوى لتزويد إسرائيل بالأسلحة.
ويوضح يوفال تيمان، أحد الشخصيات الرئيسية في البرنامج النووى الإسرائيلي ومدير وكالة الطاقة النووية الإسرائيلية، واقعة ثانية تتصل بالأسلحة النووية، ففي الأسبوع الثاني من الحرب قدمت الولايات المتحدة لإسرائيل معلومات حصلت عليها عن طريق الأقمار الصناعية تزعم أن مصر قد يكون لديها نشاط نووى خاص بها. وأضاف تيمان الذى كشف هذه المعلومات للمرة الأولى أن هذه المعلومات تشمل صوراً لشاحنات قال محللون أمريكيون إنها تشبه تلك المستخدمة في نقل الرؤوس النووية كانت تقف بجوار موقع مصرى للصواريخ سكود، وهذه المعلومات كما يزعم) دفعت إسرائيل إلى نشر الصواريخ أريحا بعيدة المدى)، لتحذير الاتحاد السوفيتى، إذ خشيت إسرائيل أن تكون موسكو قد سلمت مصر رؤوسا نووية، وأن تلك الخطوة قد تم تفسيرها بشكل خاطئ من جانب السوفييت حيث تم اعتبارها مقدمة لضربة نووية إسرائيلية مما أدى إلى تصعيد الموقف مع موسكو. وفى رسالة نقلت يوم 25 أكتوبر بعد مضي يوم واحد من اتفاق إطلاق النار الثاني، حذر الزعيم السوفيتى بريجنيف نظيره الأمريكى نيكسون من أن موسكو سوف تتخذ عملا من جانب واحد إذا انتهكت إسرائيل الهدنة. وفسر الأمريكيون ذلك على أنه تهديد نووى، أعلن نيكسون بعده حالة التأهب في القوات النووية الأمريكية للمرة الأولى منذ أزمة الصواريخ الكوبية.
ماذا قال الأمريكيون عن حرب أكتوبر؟
قال وليم كوانت عضو مجلس الأمن القومى الأمريكى ورئيس مكتب الشرق الأوسط في هذا المجلس خلال حرب أكتوبر 1973: إن الجسر الجوى خلال الحرب أعطى إسرائيل القدرة على شن هجوم مضاد على الجبهة المصرية وإحداث ثغرة في منطقة الدفرسوار. كما ذكر كوانت أن هنري كيسنجر رئيس مجلس الأمن القومى (آنذاك) كان لا يفضل التعامل مع الأزمات الباردة، وكانت لديه قناعة بأن الإسرائيليين سينتصرون في الحرب. وتحدث كوانت عضو الاستخبارات الأمريكية السابق الذى يعمل حاليا أستاذ العلوم السياسية في جامعة فرجينيا، عن تفصيلات الساعات التى سبقت نشوب حرب أكتوبر ورد الفعل الأمريكي تجاهها والدور الذى لعبه هنري كيسنجر في الأزمة والاتصالات التى قام بها مع الاتحاد السوفيتي السابق للعمل دون تدخله طرفا مباشرا في الحرب. وذكر أن الإدارة الأمريكية كان لديها تقارير استخباراتية تشير إلى استعدادات عسكرية على الجبهتين المصرية والسورية.
وفى الساعة السادسة بتوقيت واشنطن يوم الخامس من أكتوبر تلقى رسالة عاجلة من رئيسة وزراء إسرائيل جولدا مائير عبر السفير الأمريكى لدى إسرائيل تتضمن أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لديها معلومات عن تحركات عسكرية إلى الجبهتين المصرية والسورية. ولكن التقدير الإسرائيلي للموقف استبعد نشوب حرب وشيكة، وأيدت التقديرات الأمريكية التقارير الإسرائيلية. ويرجع ذلك الى أن كيسنجر كان شخصية مهيمنة، وكان يعتقد أن الإبقاء على إسرائيل قوية سوف يؤدى إلى حالة من الإحباط العربى، كما ذكر كوانت أن كيسنجر كانت لديه قناعة بأنه يمكن احتواء الموقف في الشرق الأوسط مادام التفوق العسكرى الاسرائيلى مستمرا، ولم تكن لديه قناعة بأنه يمكن أن يتخذ العرب قرار الحرب لأنه كان يرى أن مثل هذا القرار سيؤدي إلى هزيمة كبيرة لهم، ولكن كيسنجر فوجئ بالحرب وطلب عقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن القومى الأمريكى وتبنى سياسة الانتظار لقناعته بأن إسرائيل ستنتصر ودعا إلى اتخاذ خطوات من شأنها منع الاتحاد السوفيتى من الدخول كطرف في المعارك.
وكان كيسنجر يؤمن بأن العرب سوف يستَجْدُون وقف القتال، وأن اتخاذ قرار فى هذا الشأن لا بد أن يرتبط بعودة قوات الجانبين إلى حدود ما قبل السادس من أكتوبر. ولكن الأمر اختلف مع الأيام الأولى للقتال في ضوء التقارير الواردة من إسرائيل عن الخسائر العسكرية الفادحة على الجبهتين المصرية والسورية. كما كان كيسنجر يعتقد أن الحرب يمكن إنهاؤها بسرعة، وكان شاغله الأساسي منع الاتحاد السوفييتى من الاندفاع ناحية العرب، وتبني نهج عدم الاندفاع نحو إسرائيل (في رأي كوانت) لعدم استثارة الروس، حيث ظل كيسنجر معنيا بالحفاظ على حالة الانتظار التى تم التوصل إليها بين الأمريكيين والروس لكن الأمر اختلف بعد الأيام الأولى للحرب، وقررت الإدارة الأمريكية نجدة إسرائيل التى بدأت عبر الطائرات الإسرائيلية المدنية بنقل شحنات الأسلحة والذخائر التى تعاقدت عليها إسرائيل ولم تتسلمها بعد، - اعتبارا من الثامن والتاسع من أكتوبر. وفي الثاني عشر من أكتوبر رفضت القاهرة عرضا أمريكيا من خلال بريطانيا لوقف إطلاق النار وكان ذلك (كما يقول كوانت) السبب المباشر في بدء مد الجسر الجوى العسكري إلى إسرائيل باعتباره الطريق الوحيد لحث القاهرة على قبول قرار وقف إطلاق النار، وعدم تطوير الهجوم المصرى على الجبهة الإسرائيلية.