ليس من اليسير قراءة الأحداث الخطيرة على أرض فلسطين قراءة واعية دون الرجوع إلى سيرة رئيس وزراء إسرائيل الحالي (آرييل شارون) .
ومن أجل ذلك رجعنا إلى السيرة الذاتية (لآرييل شارون) التي حررها بالعبرية (دايفد شانوف) ونقلها من الفرنسية إلى العربية أنطوان عبيد، والمنشورة عام 1992 في بيروت في 766 صفحة .
ونظراً لأهميتها قمنا باختصارها ونشرها على حلقتين في الغرباء دون إخلال بمبنى المذكرات ومعناها .
__________________________________________________
يقول (آرييل شارون) ولدت عام 1928 في القرية التعاونية (كفر ملال) على بعد خمسة وعشرين كيلو متراً إلى الشمال الشرقي من تل أبيب، حيث كان والديّ قد استقرا فيها عام 1922 .
لم أعرف علامات المودة في كنف عائلتي، فأبي (صموئيل) وأمي (فيرا) كانا من طينة مختلفة تماماً، كانا معروفين بطبعهما القاسي، فلم يكونا يفصحان أبداً حتى عن عواطفهما الأكثر جيشاناً، ومع ذلك كانا يكنان لنا، أختي (ريتا) وأنا، محبة عميقة، ولكن من دون أن يعبّرا عنها خصوصاً ببراهين حسيّة، والصفات التي قد ترسم صورة أهلي كانت القوة والعزم والعناد .
أما سكان (كفر ملال) فقد كانوا من الصهاينة العماليين القادمين من التجمعات اليهودية في شرق أوروبا، ليس لإحياء الوطن القومي للشعب اليهودي فحسب، بل لبناء نموذج عن الاشتراكية.
أما والدي فقد ترعرع في (برست ـ ليتوفسك) وتلقن على جدي الصهيوني (موردخاي شاينرمان) اللغة العبرية، وخفايا الكتاب المقدس، والفلسفة الصهيونية، وورث عنه الحنين إلى أرض إسرائيل، ولاقتناعه العميق بدعوته كمزارع عنيد في أرض الميعاد، تسجل بعد إنهائه دروسه الكلاسيكية في كلية الزراعة بجامعة تيفليس، حيث تعرف على والدتي فيرا طالبة الطب في الجامعة نفسها، القادمة من موهيلوف على نهر الدنييبر، في روسيا البيضاء.
ومع اقتراب جحافل الجيش الأحمر عام 1917 من تفليس تزوج أبي بأمي، وفرا إلى مرفأ باطوم على البحر الأسود، ومنه أبحرا إلى فلسطين .
لم يكن والديّ مرفوضين من الآخرين، بل كانا مختلفين، وظل التوتر المستديم بين أهلي وجيرانهم، يلقي بوزره على علاقاتي مع أترابي في القرية .
وعهد إلي بأعمال أكثر صعوبة في المزرعة ولما أبلغ الثامنة من عمري، فقد كنت أنزل إلى الكرم في الربيع وأكدن الحصان إلى المحراث، أما في الشتاء فكنت أمضي ساعات طويلة في الإسطبل، وأنا أقدم إلى الحيوانات طعاماً إضافياً، وأحتفظ لنفسي بقرون الخروب التي أضافها والدي إلى العلف .
لم يتوقف التوتر بين سكان (الموشاف) وأبناء القرى العربية التي تتوزع بين المستوطنات الزراعية اليهودية، فقد دمرت (كفر ملال) عام 1921، وكادت تتدمر في هجوم عربي آخر عام 1929 وكنت في الخامسة لما ذهبت إلى تل أبيب مع والدتي، أكتشف من نافذة (الأوتوكار) علامات محتملة لوجود الإرهابي (أبي جلدة) المتخصص في نصب الكمائن على طريق أورشليم .
ولما بلغت الثالثة عشرة بدأت أقوم بحراسة الحقول في الظلمة، مسلحاً بعصا وخنجر قفقاسي، وكانت أمي تلح على والدي أن يدربها على البندقية الألمانية، التي يحرس بها في الليل، ولما أخذت أكبر بدأت أفهم أن العداوة ليست حكراً على اليهود ضد العرب، بل هي تتحكم باليهود بعضهم مع بعض .
وفي الثالثة عشرة التحقت بليسيه تل أبيب، حيث كنت أغازل البنات، وأرنو من النوافذ المفتوحة في البناية المجاورة للمدرسة، وهي فندق يقصده بنات هوى تل أبيب، والجنود الإنكليز .
عضو في منظمة الهاغاناه:
ولما بلغت الرابعة عشرة لقنت أسرار العمل في الخفاء لصالح منظمة (الهاغاناه) وأقسمت يمين الولاء لها في كوخ صغير على التوراة والمسدس، وأخذت أتدرب على القتال على مقربة من (كفر ملال) على استعمال المسدس والسكين، ثم جاء أعضاء (شرطة القرى العبرية) التي أنشئت تحت مراقبة بريطانية لحماية القرى اليهودية، وأنبوب شركة بترول العراق، ليعلمونا استخدام البندقية والقنبلة والرشاش .
كانت الحالة تسوء بين اليهود وسلطات الانتداب بسبب الهجرة اليهودية، وكانت حكومة الانتداب واقعة تحت المطرقة اليهودية والسندان العربي، وبلغ الصراع ذروته عند ما قامت منظمتا (الإرغون) و(شترن) بسلسلة من الهجمات ضد مراكز الشرطة والمواقع العسكرية البريطانية، فيما كانت (الهاغانا) تدمر الجسور، وخطوط السكة الحديدية .
أما أنا فقد كنت معجباً بأسرى اليهود الذين أعدمتهم بريطانيا وأحسدهم على شجاعتهم، وأحلم بالثأر للوطنيين اليهود الذين تم شنقهم .
ولما يئست بريطانيا من تسوية الوضع عام 1947 أوقفت انتدابها، وفوضت الأمم المتحدة بحل المشكلة، وفيما كانت الأمم المتحدة تعد تحقيقاتها وملفاتها كانت وتيرة تدريبنا تتسارع، وفي تلك السنة تعرفت على مارغاليت (غالي) ابنتة الستة عشر ربيعاً، القادمة من رومانيا.
أبيدت فصيلتي في معركة اللطرون:
وعندما قرر (بن غوريون) والقيادة العامة للجيش اليهودي تخليص أورشليم باحتلال اللطرون، وإزالة هذا الحاجز من طريقها، أسندت العملية إلى اللواء السابع، وجرى دعمه بواسطة ضباط من وحدتنا (فوج الكساندورني) وكان حظنا الوحيد في البقاء أمام الجنود الأردنيين، في هذه المعركة الصمود حتى الليل، ومحاولة التواري تحت جنح الظلام .
وعندما زاد الأردنيون قوة نيرانهم اتكأت على مرفقي رافعاً صدري ورأسي لأرى ما كان يجري، وفجأة أحسست في بطني ضربة عنيفة قذفتني إلى الوراء، وسمعتني أصرخ (ماما !) وفوراً تطلعت حولي خشية أن يسمعني أحد، وكان الدم قد حمر قميصي، وأيضاً بنطلوني، لأني في اللحظة نفسها تلقيت رصاصة أخرى في فخذي، فانبطحت وأنا أشعر أن قواي تغادرني، وكانت أسراب الذباب الأسود تحوم حولنا، وكانت جماعات النمل تتراكض نحونا وقد جذبها دم القتلى والجرحى، وأبيدت فصيلتي تقريباً، حيث توفى نصف رجالي، وجرح معظم الباقين، جراح بعضهم خطيرة .
وفيما كنت أستعيد صحتي ببطء دخل وقف إطلاق النار الأول حيز التنفيذ، تحت رقابة الأمم المتحدة، وكان قادة الجيش ينتهزون فرصة وقف إطلاق النار للحصول على مزيد من الأسلحة .
عدو لا يرحم :
في منتصف تموز 1948 أحسست بتحسن كاف لأنضم إلى وحدتي (الفوج 32) الذي يسيطر الآن على تلة كوليه شمال شرق اللد، وكان الأردنيون قد قاموا قبل عدة أيام بهجوم مضاد، وجد في أرض المعركة ثمان وعشرون جثة، وقد قطعت آذانها، ووضعت أعضاؤها التناسلية في الأفواه، وبقينا عدة أيام نفتش في المنطقة عن الأعضاء المبتورة .
رقيت إلى رتبة ضابط استطلاع في الكتيبة، ظللت بعدها أحارب على كل الجبهات خلف خطوط العدو، وساهمت في معارك دامية ضد عدو لا يرحم، ومثل الآخرين لم أكن أعلم ماذا يخبئه الغد لنا: السلام ، أم حرباً جديدة ؟
وفي ايلول 1949 دمج لواء الكساندروني في الاحتياط، فيما رقيت أنا إلى رتبة ضابط استكشاف في لواء غولاني
كانت أولى المهمات التي أوكلها إلي (موشي دايان) الذي عين قائداً للمنطقة الشمالية، بصفتي رئيس إستخبارات المنطقة، استرداد جنديين إسرائيليين، أسرهما جنود الفيلق العربي، ونقلوهما إلى عمان للتحقيق، وذلك باختطاف بعض الرهائن الأردنيين للمبادلة، وعندما أنجزت المهمة، لم يخف دايان رضاه .
تزوجت (غالي) بلا سقف :
استقرت خطيبتي (غالي) في مستشفى بضاحية أورشليم، في نهاية تخصصها كمساعدة في التحليل النفسي، وكنت معجباً بشخصيتها، ولم يطل بنا الأمر حتى تحدثنا عن الزواج، فقصدنا حاخاماً عسكرياً فزوجنا في اليوم نفسه: 29/3/1953 وكنا متزوجين بلا سقف يجمعنا، حيث كانت غالي تسكن في المستشفى الذي تعمل به، وأنا كنت أتقاسم غرفة وحيدة مع صديق في الجيش، ثم توفقنا في إيجاد ما يناسب ميزانيتنا: غرفة صغيرة، مع زاوية مطبخ في الفناء الخلفي لبناية في إحدى ضواحي أورشليم .
توليت الوحدة (101) :
بعد أسبوعين على غزوة النبي صموئيل، التي نجحت بتنفيذها، استدعيت إلى رئاسة الأركان لمقابلة (موردخاي ماكليف) القائد الأعلى للقوات المسلحة الإسرائيلية، حيث أطلعني على مشروع إنشاء وحدة مضادة للإرهاب، قادرة على ضرب القرى العربية التي تستخدم كملاجئ وحصوناً للإرهابيين، وسألني إن كنت مستعداً لتولي قيادتها، فأعطيت موافقتي، وسمي هذا التشكيل (الوحدة 101) وكان علي البحث عن رجالي من خارج الجيش، نظراً إلى ضعف معنويات الجيش .
كلفت بالاقتصاص من قرية قبية:
في منتصف تشرين أول 1953 ، استدعيت إلى القيادة العامة لمنطقة الوسط العسكرية في الرملة، أعلمنا قائد المظليين وأنا أن الأركان قرروا الاقتصاص من قبية، قال قائد المظليين أن رجاله لا يزالون دون مستوى المهمة، قلت: أنا مستعد للقيام بالعمل ويسرني أن أتولى قيادة المظليين غير الجاهزين بالإضافة إلى (الوحدة 101) ، أعددت مع الضباط خطط العملية بحذافيرها، وأعطيت الأوامر النهائية، وأكدت للجميع أن المهمة يجب أن تكون أول رد مهم لنا ضد الرعب العربي، لأن شكوانا بالطرق الدبلوماسية لم تعط شيئاً .
كانت الأوامر واضحة تماماً، يجب أن تكون قبية أمثولة ومثالاً، فكلف بإيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر في صفوف الميليشيات العربية المحلية، ووحدات الدعم الأردنية التي قد تهب للنجدة، وكان علي أن أفجر أهم بنايات القرية، وهي قرابة الخمسين، كان ذلك قراراً سياسياً متخذاً على أعلى المستويات .
كنا نريد الاستفادة القصوى من الظلام، تسلقنا الجبال تحت وابل من الرصاص، صرعنا أول جنديين أردنيين عند مدخل القرية، كانا يستقلان سيارة جيب عسكرية، بدأنا عند منتصف الليل تدمير البيوت الحجرية الكبيرة بالديناميت، وكان الجنود يتقدمون من أطراف القرية نحو داخلها، احتجنا عدة ساعات لإنهاء تهديم البيوت، كنا من خلال الانفجارات وغيوم الغبار نسمع من وقت إلى آخر صوت إطلاق أسلحة خفيفة صادرة عن فريق هجوم الإلهاء وراء التلال .
عدت إلى منزلي في أورشليم لأرتاح، وما مرت ساعات حتى استيقظت على أخبار الإذاعة الأردنية حول العملية، فقد أكد المذيع مقتل تسعة وستين شخصاً جلهم من المدنيين، وخصوصاً من النساء والأولاد .
تبرير المجزرة:
ويبرر شارون مجزرة قبية التي هزت ضمير العالم فيقول: جاءت الغارة على قبية لتبرهن أن الجيش الإسرائيلي، بعد كثير من الإخفاقات، كان قادراً من جديد على ضرب العدو أينما كان، حتى وراء حدود بلاده .
وبالنسبة إلى الجيش كان معنى هذه العملية كبيراً جداً، فلقد استعاد ثقته المفقودة بعد سنتين من الفشل المتكرر والمثبط .
وأهم من ذلك: وجد الشعب الإسرائيلي، بفضل قبية، شعوراً مطمئناً بالحماية من القتلة العرب الذين ظلوا حتى 1953 يتوصلون إلى التسلل إلى كل مكان في البلاد تقريباً .
ويسجل رأي (بن غوريون) في المجزرة: ما سيقال في العالم بشأن قبية قلما يهم، فالمهم هو كيف ستفهم في هذه المنطقة من العالم منطقتنا، أعتقد أننا بفضلها سنتمكن من الاستمرار في العيش هنا.
انطلاقاً من 1954 نفذ المظليون تقريباً كل العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي، وبطريقة أو بأخرى كللت كل عملية بالنجاح، وهذا ما أكسبني بنوع خاص جذب انتباه زملائي، فلقائي الأول مع (بن غوريون) سرعان ما تبعته لقاءات أخرى، فبت أشعر بالراحة معه، عندما كنا نعالج مشاكل مهمة، أو حتى عندما تكون زيارتي إياه للمجاملة فحسب .
لم يكن الجنرالات يترددون في إبداء شكوى مرة أمام دايان و(بن غوريون) كلما أثارتهم إحدى مبادراتي، وبما أنني لم أكن مستعداً لإغماض العين على بعض ثغرات الجيش كانت تكثر عندهم أسباب الاستشاطة غيظاً .
الهجوم على مقر القيادة في غزة:
شكل الهجوم على مقر القيادة العامة للجيش المصري في قطاع غزة في 28/2/1955 أهم العمليات التي قام بها المظليون، فعلى الرغم من قيامنا بعدة عمليات ضد المواقع المصرية والأردنية ظل فدائيو قطاع غزة يواصلون زرع الموت والخراب، لا في الجنوب فحسب، بل في وسط البلاد ومن أجل ذلك قررت الحكومة الضرب .
ففي ليلة الهجوم وضعت اللمسات الأخيرة على مخططي، وصبيحة اليوم التالي استدعيت الضباط إلى غرفتي الخاصة، وبسطت على الحائط الرسوم البيانية، وشرحت أطوار العملية، وكيفية خداع مراقبي الأمم المتحدة، ثم أصدرت الأوامر، وخرجت لمتابعة الاستعدادات الأخيرة .
وبعد انتهاء العملية، عدنا من حيث أتينا، نحمل ثمانية قتلى وأربعة عشر جريحاً، وبعضهم كان في رحلته الأخيرة على أكتاف رفاقهم، وأعلمت قيادتنا العامة بالراديو: نحن في طريق العودة مثقلون جداً .
كان (موشى دايان) ينتظرنا، سأل بلهجة جافة: كيف جرت الأمور ؟
أجبته: أنجزنا مهمتنا، ولكن بخسائر فادحة .
أجاب بلا مبالاة: الأحياء أحياء، والأموات أموات .
ويتابع شارون روايته فيقول: برهنت إسرائيل بوضوح بهذه الإغارة المذهلة أنها لن تتسامح بعد اليوم حيال أعمال الرعب ضد سكانها، ولكن الرئيس المصري فضل البحث عن حلفاء مستعدين للدفاع عنه، والقوة الوحيدة القادرة على تأمين العون العسكري والسياسي الذي كان يسعى إليه هو الاتحاد السوفييتي، الذي لم يكن ينتظر إلا إشارة، فحققنا حلم روسيا منذ مئة عام بالدخول إلى الشرق الأوسط .
كلنا يعرف ما كان يقاسيه الأسير الإسرائيلي في السجون العربية بظروفها المختلفة والعذابات التي يخضع لها، فما أن يقع أحد أبناء قومنا في أيدي العدو حتى ألح على وزير الدفاع أو رئيس الوزراء، لأقوم بعملية خطف أسرى نبادل بهم رجالنا، وكانت كل إغارة تسبب خسائر بشرية، وهكذا كنا ندفع ثمناً غالياً لعودة كل من جنودنا، وغالباً ما كان عدد الضحايا يفوق عدد الأسرى، الذين سنحررهم من السجون العربية .
وكان موقفي من المسألة صريحاً جداً: إن كل جندي يجب أن يكون مقتنعاً في قرارة نفسه أنه لن يترك وحيداً في الميدان، أجريحاً كان أم أسيراً .
نظريات شارون العسكرية:
لا زلت أعتقد أن العرب جنود جيدون، واليوم علمتني التجارب أننا لكي نهزم الجنود العرب، علينا أن نفقدهم توازنهم في البدء .
وكان تكتيكي يقوم على عدم السماح للعرب بخوض المعركة وفق تصورهم لها، بل على مفاجأتهم دائماً .
لقد قالت لنا التوراة: حاربوا بالحيلة؛ وفي كل مرة يجب أن تكون مختلفة، مناورة تفاجئ العدو أو تحط من معنوياته .
ليس الهدف هو القصاص من العدو أو ردعه، ولكن الهدف إيجاد نفسية انهزامية عند العرب، بضربهم بلا هوادة، وتكبيدهم خسائر فادحة عمداً، حتى يتخلوا عن إرادة قهرنا .
ويخلص شارون إلى نتيجة مفادها: بالنظر إلى العدد المتواضع لشعبنا، وإلى ضآلة مواردنا، لا نستطيع أن نأمل يوماً في خلق توازن قوى من النوع الذي يسمح عادة لأمتين عدوتين بالتعايش، فالوسيلة الوحيدة التي في حوزتنا تقوم على إقناع العرب بعدم جدوى الحرب التي لا تجلب لهم سوى الدمار والخراب والمذلة .
على حافة الأزمة :
في بداية عام 1955 دفعت الغارات المتواصلة التي قام بها مظليونا، مصر إلى حافة الأزمة، وفي صيف العام أغلق عبد الناصر مضائق تيران، نقطة الاتصال الوحيدة بين إسرائيل من جهة وإفريقية الشرقية وآسيا من جهة أخرى، ومع أن هذه المضائق هي طرق بحرية دولية فإن جمعية الأمم لم تبد اعتراضات جدية، وفي نهاية شهر إيلول أعلن عبد الناصر عقد اتفاق مع تشيكوسلوفاكيا يوفر لمصر الدبابات والمدفعية والطائرات والأسلحة الخفيفة، وكلها من صنع سوفياتي، وهكذا فقد توازن القوى، وبدت قدرة إسرائيل الدفاعية مهددة .
قررت الحكومة الإسرائيلية فك حصار المضائق بعملية عسكرية قام بها لواء ضد شرم الشيخ، وهذه العملية من حيث شموليتها من أهم العمليات التي سبق لي أن قدتها، كقائد فعلي للمظليين، لكن تعليمات الأركان كانت تخبئ لي مفاجأة مزعجة جداً: لأن رئيس هيئة الأركان (موشي دايان) فوض إدارة العملية لضابط أعلى هو (الكولونيل حاييم بارليف)، ومن دون تردد أعلمت دايان بنيتي الاستقالة، وكجواب دعاني إلى الغداء في رحبوت، وأوضح أن تعيين بارليف مؤقت تماماً، وليس وارداً أن يحل مكاني، فاقتنعت بكلماته .
ولما بدت العملية مشكوك فيها بسبب التعزيزات المصرية التي وصلت شرم الشيخ، ألغيت العملية رغم الجهود التي بذلناها لإتمامها .
عملية أوراق الزيتون في طبريا:
وفي 10/12/1955 أطلقت المدفعية السورية قنابلها على صيادين إسرائيليين في بحيرة طبريا، فقررت الحكومة الإسرائيلية تدمير المواقع السورية
استدعاني (دايان) وشرح لي العملية، فإذا هي عملية معقدة وواسعة النطاق، ولما عدت إلى ضباطي، وأعطيتهم تعليماتي، لمحت وجه (بارليف) وهو جالس في ركن من الغرفة، فإذا به ينم عن الضغينة .
تخطى نجاح عملية (أورق الزيتون) كل توقعاتنا، حققنا كل أهدافنا، وأنزلنا بالسوريين خسائر فادحة، وأخذنا منهم ثلاثين أسيرا .